تفكيك الفكر المتطرف ، لوزير الأوقاف
لا شك أن قضية تفكيك الفكر المتطرف لم تعد هاجسًا مصريًا فحسب ، وإن كنا في قلب المعركة ، وفي مقدمة ركب المواجهة والإحساس بالواجب تجاه تصحيح صورة ديننا وإزالة الغشاوة التي حجبت جانبًا كبيرًا من إشعاع حضارتنا العربية والإسلامية ، كما أنها لم تعد هاجسًا عربيًا فحسب على الرغم من أن العالم العربي هو أكثر من يكتوي بنار التطرف والإرهاب ، فقد صارت القضية على الرغم من ذلك كله هاجسًا عالميًا حتى عند من يدعمون الإرهاب سرًا أو علنًا ، لأنهم يخشون انفضاح أمرهم من جهة ، وأن يرتد عليهم عملهم الخبيث ، أو أن يتمرد عليهم شيطانهم من جهة أخرى .
ولا بد في أي قضية ذات آثار أو أبعاد سلبية من جوانب للتخلية وأخرى للتحلية والبناء الصحيح الصلب ، أما جوانب التخلية فتبدأ بالنظر في كل ما يمكن أن يدعم الفكر المتطرف ، سواء أكانت جماعات دينية ، أم جماعات أو حركات أو أحزاب سياسية تتبنى العنف والاغتيال منهجًا وطريقًا للوصول إلى مآربها ، أم جمعيات أهلية تخدم أجندات فكرية أو حزبية أو مذهبية أو طائفية ، أم مطبوعات ومنشورات ودور نشر مشبوهة تدعم العنف وتزكيه ، أم مناهج دراسية تحتاج إلى المراجعة وإعادة النظر .
ففي مجال الدعوة بشكل عام شكلت سيطرة بعض الأحزاب السياسية والجماعات الدينية والجمعيات الأهلية على بعض المساجد أو مساحة أو حصة منها رافدًا قويًا لدعم التعصب والتشدد ، إذ إن الولاء للجماعة لدى تيارات الإسلام السياسي فوق الولاء للوطن ، بل إن بعض الجماعات المتطرفة لا تعترف بالوطن ولا بحدوده ، وفي صريح كلامهم ما يؤكد ذلك تأكيدًا غير قابل للجدل ، بل إن بعض الجماعات والأشخاص الأكثر تطرفا إنما يُستخدمون لهدم الدولة الوطنية بحجة أنها العائق لإقامة الدولة الإسلامية ، وهو محض افتراء وتزوير وتضليل ، فالدين لابد له من وطن يحمله ويحميه ، على أن أكثر شباب الجماعات كلام مرشده فوق كل اعتبار ، وهو المقدس الذي لا يرد ، ولا مجال للتفكير أو إعمال العقل فيه ، على نحو ما صدر مؤخرًا عن بعض شيوخ الفتنة والفساد والضلال والإضلال الذين ينصحون الشباب بتسليم نفسه لجماعة الإرهاب الإخوانية أو الإخوان الإرهابية التي يحيطها الإرهاب من كل جانب ، وما عليه بعد أن يسلم نفسه له إلا أن يمتثل لما تمليه عليه حتى لو كان تفجير نفسه ، فهم يُنزلون مرشديهم منزلة أئمة الشيعة التي يرون الإمام خليفة الله في أرضه وله السمع المطلق والطاعة المطلقة العمياء في إغفال واضح ومتعمد لدور العلم والعقل وتلاعب بأصول وفروع الشرع ، حتى يتمكنوا من السيطرة التامة على عقول أتباعهم وعناصرهم ، بحيث تتعود مع الزمن إلغاء العقل ، والتسليم المطلق لما تطلبه الجماعة عبر مرشدها أو من ينوب عنه .
ومن ثمة كان لا بد من منع هذه المحاصصة في بيوت الله (عزّ وجّل) ، وأن تكون المساجد في أيد أمينة ، أيد أهل العلم الحقيقيين المتخصصين الوطنيين دون سواهم ودون غيرهم ، ودون أي استثناءات أو خضوع أمام من يتمترسون بالأهل والعشيرة .
وأؤكد أن ما كان يعرف بظاهرة الشيخ النجم قد يكون خطرًا على الدعوة ، لأن إرضاء جماهيره قد يكون فوق رضا ربه والعياذ بالله ، وقد يركبه شيطان الشهرة ، أو شياطين الجماعة ، أو ” شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ” ، إلا من رحم ربي ، غير أن التجربة والواقع يؤكد أن أكثر الشيوخ التابعين للجماعات والحركات عينهم على رضا الجماعة وما يصب في صالحها ويحقق مصالحهم ومصالحها وهي مشتركة غير منفكة ، ودوره أن يبحث حتى في شواذ الفتاوى والآراء عما يحقق أهدافها ويرضي أنصارها وأتباعها .
ويلحق بالمساجد معاهد إعداد الدعاة والثقافة الإسلامية التابعة للجماعات والجمعيات ، وأرى أن وضع أكثرها الراهن يشكل خطرًا كبيرًا على تشكيل الفكر والوجدان ، لما تحمله بعض مناهجها من تشدد ، إضافة إلى أن بعض من يُدّرسون بها غير مؤهلين، وبعضهم قد ينتمي إلى جماعات متطرفة ، ومن ثمة أرى هنا في مصر أن أي معهد يتبع أي جماعة أو جمعية لا ينبغي أن يعمل أو يستمر في عمله إلا إذا كانت مناهجه معتمدة من الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف المصرية ، وحصل على موافقة كتابية صريحة من إحدى هاتين المؤسستين بالإشراف الكامل على عمله ، وسنسعى بكل جد لاستصدار قرار ملزم في هذا الشأن حفاظًا على الأمن الفكري للمجتمع ، ومنعا للعبث به.
وإن كنا نرى أيضاً أن الأمر يقتضي الحسم أيضا مع من يتبنى ثقافة التسيب و الانحلال ، لأن التحلل القيمي والأخلاقي والدعوة إلى التطاول على الثوابت والأخلاق والقيم والعمل على هدمها قنابل موقوتة كقنابل المتطرفين سواء بسواء .